ما هي الشفاعة ؟ وما هي انواعها ؟
والشفاعة العظمى للنبي الجد صلى الله عليه وآله وسلم
السيد ابو القاسم الرضوي الحسيني
الشفاعة:
مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر،
وهو جعل الوتر شفعاً مثل أن تجعل الواحد اثنين، والثلاثة أربعة، وهكذا هذا من حيث اللغة.
أما في الاصطلاح:
فهي "التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة"،
يعني أن يكون الشافع بين المشفوع إليه، والمشفوع له واسطة لجلب منفعة إلى المشفوع له، أو يدفع عنه مضرة.
والشفاعة نوعان:
النوع الأول: شفاعة ثابتة صحيحة،
وهي التي أثبتها الله تعالى في كتابه، أو أثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص؛
لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: "من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه".
وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة:
الشرط الأول: رضا الله عن الشافع.
الشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له.
الشرط الثالث: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع.
وهذه الشروط مجملة في قوله تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}،
ومُفصَّلة في قوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، وقوله: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً}، وقوله: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}، فلا بد من هذه الشروط الثلاثة حتى تتحقق الشفاعة.
ثم إن الشفاعة الثابتة ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أنها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
الشفاعة العامة، ومعنى العموم أن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم،
وهذه الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين،
وهي أن يشفع في أهل النار من عصاة المؤمنين أن يخرجوا من النار.
القسم الثاني:
الشفاعة الخاصة: التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم وأعظمها الشفاعة العظمى التي تكون يوم القيامة، حين يلحق الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون،
فيطلبون من يشفع لهم إلى الله عز وجل أن يريحهم من هذا الموقف العظيم فيذهبون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى،
ثم عيسى وكلهم لا يشفع حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقوم ويشفع عند الله عز وجل أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم،
فيجيب الله تعالى دعاءه، ويقبل شفاعته،
وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به في قوله: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}.
ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة،
فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فتمحص قلوب بعضهم من بعض حتى يهذبوا وينقوا ثم يؤذن لهم في دخول الجنة فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
النوع الثاني:
الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها،
وهي ما يدَّعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله عز وجل، فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم كما قال الله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين}،
وذلك لأن الله تعالى لا يرضى لهؤلاء المشركين شركهم، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم؛
لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله عز وجل والله لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد، فتعلق المشركين بآلهتهم يعبدونها ويقولون: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} تعلقٌ باطلٌ غير نافع،
بل هذا لا يزيدهم من الله تعالى إلا بُعداً، على أن المشركين يرجون شفاعة أصنامهم بوسيلة باطلة وهي عبادة هذه الأصنام،
وهذا من سفههم أن يحاولوا التقرب إلى الله تعالى بما لا يزيدهم منه إلا بعداً.
وبذكر الشفاعة العظمى للنبي الجد صلى الله عليه وآله وسلم
روى أَبُو هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: كنا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعوة،
فرفع إليه الذراع- وكانت تعجبه- فنهس منها نهسة
وَقَالَ: «أَنَا سيد النَّاس يوم القيامة هل تدرون مم ذاك؟ يجمَعَ الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي،
وتدنوا مِنْهُمْ الشمس، فيبلغ النَّاس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فَيَقُولُ النَّاس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه وإلى ما بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فَيَقُولُ بعض النَّاس لبعض: أبوَكَمْ آدم،
فيأتونه فيقولون: يا آدم أَنْتَ أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الْجَنَّة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا تَرَى ما نَحْنُ فيه وما بلغنا؟ فَقَالَ: إن رَبِّي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي، نفسي، نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح
فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح أَنْتَ أول رسول إلى أَهْل الأَرْض، وقَدْ سماك الله عبدًا شكورًا، ألا تَرَى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: إن رَبِّي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قَدْ كَانَ لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم
فيأتون إبراهيم فيقولون: أَنْتَ نَبِيّ اللهِ وخليله من أَهْل الأَرْض، اشفع لنا إلى ربك، ألا تَرَى ما نَحْنُ فيه؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إن رَبِّي قَدْ غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات، فذكرها، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى مُوَسى،
فيأتون مُوَسى فيقولون: يا مُوَسى أَنْتَ رسول الله فضلك الله برسالاته وبكلامه على النَّاس، اشفع لنا إلى ربك، أما تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه؟
فَيَقُولُ: إن رَبِّي قَدْ غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قَدْ قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى،
فيأتون عيسى، فيقولون: أَنْتَ رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وكلمت النَّاس في المهد، اشفع لنا عِنْد ربك، ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه؟
فَيَقُولُ عيسى: إن رَبِّي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري،
اذهبوا إلى محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأتون فيقولون: يا محمدًا أَنْتَ رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقَدْ غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا تَرَى إلى ما نَحْنُ فيه؟
فأنطلق فآتي العرش فأقع ساجدًا لرَبِّي، ثُمَّ يفتح الله علي من محامده، وحسن الثناء عَلَيْهِ شَيْئًا لم يفتحه على أحد قبلي، ثُمَّ يُقَالُ يا مُحَمَّد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع،
فأرفع رأسي فأَقُول: أمتي يا رب، يا رب أمتي يا رب، فَيُقَالُ: يا مُحَمَّد أدخل من أمتك لا حساب عَلَيْهمْ من الْبَاب الأيمن من أبواب الْجَنَّة، وهم شركاء النَّاس فيما سِوَى ذَلِكَ من الأبواب،-
ثُمَّ قال: والَّذِي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الْجَنَّة كما بين مَكَّة وهجر، أو كما بين مَكَّة وبصرى». رواه البخاري، ومسلم.
اللَّهُمَّ توفنا مسلمين وألحقنا بعبادك الصالحين الَّذِينَ لا خوف عَلَيْهمْ ولا هم يحزنون، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ،
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
لَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ وَمَا تَمَنُّوا ** مَنَ الأفْرَاحِ فِيهَا وَالكَمَال